رابطة الأيمان ....

[أحمد الحربي]

يقول الحق تبارك وتعالى:{إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا} . أي يجعل الله بينهم المحبة، فيحب المؤمن أخيه ويعطف عليه ويرحمه ويكون بينهم ألفة ومودة، وذلك بسبب هذه الرابطة الإيمانية، وأنعم بها من رابطة، فلقد جاء دين الله الإسلام ووحد الله به شتات أقوام أصبحوا بنعمة من الله وفضله إخواناً متآخين متحدين متلائمين كالجسد الواحد بعد أن كان بينهم من الخلافات والنزاع والشقاق، وبعد أن كانوا قطعاً متفرقة لا يجمعهم أمر واحد، فإذا هم بالإيمان صفاً متحداً وأخوة متحابين، يقول سبحانه وتعالى:{هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم، ولكن الله ألف بينهم } هكذا كان تأليف الإيمان للقلوب لتخضع الأبدان وتأتي طائعة مستجيبة لأمر خالقها وتنتشر الألفة والمحبة لله وفي الله، فإذ ا القوم كما أخبر عنهم عز وجل بقوله: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من الله ورضوانا}

إن رابطة الإيمان مبناها الاخوة الإيمانية التي لا تفترق إلا عند اختلال العقيدة، ولا تتصل بقرابة غير قرابة الدين، والمؤمنون كلهم أخوة وأولياء لبعض، غايتهم وهدفهم إقامة شرع الله ورد الباطل، فقد أخبر الله عز وجل عن ذلك بقوله: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم }. فهم بذلك في رحمة من الله العزيز الحكيم، وأكرم بها من رحمه.

وقد جعل الله سبحانه وتعالى الإيمان والأخوة أساسيين ومطلبين مهمين لكل مسلم، فقد قال سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون } وقد خص الله سبحانه وتعالى كون الألفة بين القلوب تأكيداً على أن القلوب بالإيمان تتحد وتتألف، بل إن إيمان المرء ينقص إذا ما أخل في حبه الخير لأخيه المسلم لقول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أنس رضي الله عنه وأخرجه الإمام مسلم - رحمه الله (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه).

إن قيام المجتمع المسلم الحق رهن بتطبيق مفهوم الأخوة الصحيح بين المسلمين المبني على رابطة الإيمان التي لا تنفك، وانظر إلى جميل وصف الرسول صلى الله عليه وسلم لحال المسلمين المتآخين المتحابين في الله الذين تلفهم سرابيل الرحمة وتجمعهم روابط الإيمان، (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه الإمام مسلم عن النعمان بن بشير رضي الله عنه، وزيادة على هذا فإن المؤمن لا يجد حلاوة الإيمان ولا يستمتع بطعمه الحقيقي إلا إذا أخلص الحب لله، {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم }