تصريح وزارة الثقافة والإعلام رقم م ن / 154 / 1432


العودة   شبكة البراري > منتديـات البراري الرئيسيــة > منتدى الحياة البيئة والفطرية والصيد

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 2013-10-01, 10:37 AM
الصورة الرمزية عايد
عايد عايد غير متواجد حالياً
عضو متميـز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2011
الدولة: الريــــــــــاض
المشاركات: 4,630
جنس العضو: ذكر
عايد is on a distinguished road
افتراضي التداخل بين البيئة والحياة

التداخل بين البيئة والحياة



إن التداخل بين البيئة والحياة كبيرٌ، ويتجلى ذلك في أن لكل نوع معين من الأحياء شروطاً في البيئة التي تناسبه في سماتها العامة، والتي تختلف دون شك عما يلائم غيره، وجدير بالذكر أن البيئة التي نعنيها ليست شيئاً فرداً ولكنها عدة أشياء لا نهاية لها، فالبيئة ذاتها تتخصص كما تتخصص الحياة التي تقوم في كنفها ولو لم يكن ذلك صحيحاً لما كان هنالك قَمْل يسمى قمل الرأس وآخر يسمى قمل البدن.

إن بيئتنا هي المكان الذي نتخذ منه موطناً ومعاشاً بكل ما تحمله هذه العبارة من معنى وأن كل تغير يطرأ على أي كائن حي من شأنه أن يحدث تغيراً في صلته بالبيئة، وكل تغير يطرأ على البيئة يتبعه تجاوب الكائن الحي، ولو نظرنا للبيئة من حيث شمولها وعلاقتها بالمجتمع لوجدنا أنها عاملٌ من عوامل الحياة ولكنه عامل شديد التعقيد، ذلك أن كل تغير في البيئة وفق هذا المفهوم يتضمن اختلافاً في العادات الفردية أو في أسلوب الحياة وهذا حلقة من سلسلة. إن الاختلاف أو التبدلات التي تطرأ على عاداتنا وأساليب حياتنا تخلق لنا بيئة جديدة يتنوع فيها الاختيار، ومن خلال عمليتي الانتقاء والتوافق الدائمتين يتحقق توازن متحرك لازم للحياة الطبيعية.

يدل هذا على أن البيئة ذات صلات أكيدة بالحياة والمجتمع ذاته، وإذا شئنا مزيداً من الإيضاح لهذه الفكرة الهامة عن ارتباط البيئة بحياتنا، علينا أن نشرح الطرف في مجال أوسع في البيئة، فسكان كل إقليم في كل بلد يختلفون عن نظائرهم في أقاليم أخرى في البلد ذاته في بعض النواحي، ويختلف سكان كل إقليم فيما بينهم بعدة أمور حتى في طريقة التفكير نتيجة الاختلافات التي تسود في كل من الإقليمين، أفليس من الواضح الخلاف بين الناس في القرية والمدينة؟ وبين الذين يمتهنون الزراعة وأولئك الذين يمتهنون الصناعة؟ وبين سكان الجبال وسكان السهول؟ وبين سكان الأقاليم الحارة وسكان المناطق المعتدلة والباردة؟ والقول صحيح وينطبق على جميع الوحدات الاجتماعية مهما كان حجمها، ولو تطلعنا إلى الجماعات الكبيرة ذاتها نرى أن خصائصها متصلة اتصالاً حقيقياً بالبيئة الشاملة التي نَمَتْ فيها،ولو سرحنا النظر في أصغر الزمر الاجتماعية وهي الأسرة الصغيرة لوجدنا هذا التقابل بين الحياة والبيئة بيِّناً لكل ذي عين بصيرة.

لقد دلت الدراسات اليوم على أن البيئة تعمل على تشكيل حياة الجماعة وإكسابها طابعها المميز فمن الملاحظ تماماً وجود بعض التقابل بين الأحوال الطبيعية البيئية بأوسع معانيها، وبين أساليب الحياة، وأضحت العلاقات بين البيئة الطبيعية والمظاهر الاجتماعية مثار الاهتمام الخاص لعديد من أكابر علماء الاجتماع في الغرب وفي الولايات المتحدة. وكان نتيجة لذلك أن ظهرت مدارس تسمى مدارس البيئة تبلورت ونَمَتْ في جامعة شيكاغو وكان همُّها دراسة مميزات التركيب الاجتماعي في المجتمعات الريفية والحضرية على السواء مستفيدة في ذلك بالعمل من صور مفيدة في دراسة بيئة النبات والحيوان. وكان من المواضيع الهامة التي عملت على دراستها مظاهر نشاط الإنسان والظروف المحيطة به. وقد أوضحت هذه الدراسات بعد تحليلها بدقة أمرين رئيسيين:

الأول: هو مدى تعقد البيئة.

الثاني: كيفية تغلغل البيئة تغلغلاً شديداً في حياة الزمر الاجتماعية. وقد أثارت تلك النتائج بالواقع تساؤلاً أعمق، يتصل بمعرفة مدى إمكان تعليل أو تفسير الفوارق القائمة بين الزمر الاجتماعية على أساس الفوارق البيئية، ولم يستطع الباحثون الإجابة على هذا التساؤُل بشيء معقول إلا في ضوء العلاقة بين العامل الحيوي الذي يدعى بالوراثة وبين البيئة ذاتها.

وقد أوضحت الدراسات في هذا الصدد وجود ثلاثة اتجاهاتٍ للتكيف مع البيئة ويقصد بالتكيف هنا: معنًى بيولوجيا أو اجتماعيا فعندما نقول: يتكيف الإنسان مع بيئته فإننا نقصد بذلك أنواعاً ثلاثة من التكيف:

1 - التكيف الطبيعي.

2 - التكيف البيولوجي.

3 - التكيف الاجتماعي.

فالتكيف الطبيعي يحدث مستقلاً عن المسعى والغاية، فالشمس مثلا تصبغ جلدنا بمادة السوادين (المبيلانين) إذا عرضنا جسمنا لأشعتها وينشأ عن ذلك تكيف طبيعي إما أن يجعلنا قادرين أو عاجزين عن العيش في بلاد تسطع فيها الشمس وكذا فإن الهواء النقي ينشط رئتينا في حين يفتك الغاز السام بهما.

يدل هذا أن كلاً من الهواء النقي، والغاز السام يحدث في أجسامنا من الوجهة الطبيعية تكيفاً ملحوظاً فما القوة والضعف والصحة والمرض سوى تعبيرات للدلالة عما نعانيه (القانون الطبيعي) ومهما كانت شروط البيئة المحيطة بنا صحراء قاحلة، مدينة آهلة، طيبة أو سيئة، فإن هذا التكيف الطبيعي الذي يحدث بدون قيد أو شرط يبقى دوماً أشبه بقوة قاهرة مسيطرة شئنا أم أبينا.

وليس معنى هذا الاستسلام لشروط البيئة والتكيف الطبيعي بل على العكس، يجب أن يكون هذا حافزاً للإنسان على بذل الجهود لإطالة حياته وتحسين معاشه، ولكنه قد ينجح وقد يفشل.

أما التكيف البيولوجي: فيقصد به أن شكلاً خاصاً من مظاهر الحياة قد تهيأ للعيش والازدهار في شروط معينة في البيئة، فالسمك متكيف مع البيئة المائية، والأسد متكيف مع الحياة في الغابة، ولا يمكن للثاني أن يعيش في الصحراء أو في القطب فوق الجليد باعتبار أن الشروط البيئية هنالك ليست ملائمة بحيث تسمح له بأداء وظائفه الحياتية كما يجب أن تكون.

يدل هذا أن التكيف الطبيعي الآنف الذكر والذي لا مفر منه يكون في الواقع ضاراً بالمطالب البيولوجية. أي أن أداء الوظائف الحياتية للكائن الحي مرتبطة بتوفر شروط بيئية معينة بشكل إلزامي موجهة ناحية الكائن العضوي الذي يتفاعل مع تلك البيئة، أي أن التكيف البيولوجي تكيف مشروط.

أما التكيف الاجتماعي: يخلف هذا النوع مشكلة تتجلى بالتساؤل التالي: هل يجب على الإنسان أن يتكيف مع ظروف معينة أم عليه أن يكيف الظروف وفق ما يرضيه.

إننا في الواقع إذا أردنا العيش على الطريقة التي نودُّها لأنفسنا ينبغي أن نختار بين أمرين: إما البحث عن البيئة الملائمة، أو خلق هذه البيئة.

ولكن الإنسان نفسه لا يستطيع أن يفعل أكثر مما يفعل أي كائن حي بالنسبة لفكره وذكائه، إنه في الواقع يختار بيئته ويعدل فيها ما أمكن بحيث يؤدي التكيف الذي لا مناص منه لسد أقصى ما يستطيع من حاجاته وهذا يعني أن التكيف الاجتماعي ينطوي على سدٍّ لحاجاتنا ومثلنا العليا التي كان يمكن أن تكتمل لو أن تغييراً شمل البيئة في اتجاه معين، وليس بمستغرب على كل حال أن نجد الإنسان الذي يتصف بطبيعته الطامحة ورغباته المتعددة ينظر إلى أي توازن بين حياته وبيئته نظرة غير القانع الذي يرى في هذا التوازن درجة ما من سوء التوافق.

إن رغبة الإنسان وتصوراته هي التي تحثه دوما لنقد عملية توافقه مع بيئته، فهو يحاول جاهداً وباستمرار ضبط التكيف بحيث يتفق مع حياته المتغيرة المتطورة باستمرار وفق سنة الحياة وهو بيولوجي أصلاً يواجه مهمة تحليل بيئة معقدة تكون آماله وحاجاته وآراؤه عنصراً حيوياً فيها. وقد يؤدي هذا العمل المتواصل بالإنسان إلى خلق نوع خاص من البيئة يتلائم مع ظروف معاشه وتطور حياته، وتتجلى هذه البيئة الجديدة بمظهرين أحدهما: خارجي والثاني: داخلي أما المظهر الخارجي للبيئة فإنه يشتمل على ما أحدثه الإنسان في البيئة الطبيعية من تعديلات سواء في شروط مسكنه أو وسائل النقل والمواصلات وأساليب الراحة وآلات المدنية وبالأحرى تشمل كل ما ينتمي (للثقافة المادية).

أما المظهر الداخلي: فإنه يشتمل على ما أحدثه الإنسان في البيئة الجديدة من تنظيمات وقواعد وتقاليد ونظم سائدة، وتحديد ما هو محظور وما هو مسموح في حياته الاجتماعية، أو بعبارة أخرى تشتمل على ما يسمى (التراث الاجتماعي).

يُستنتج من التحليل السابق لارتباط البيئة بالحياة، أن البيئة الشاملة تتضمن: بيئة خارجية: يعد لها الإنسان بطرق مختلفة، وبيئة داخلية: يتكيف الإنسان معها بالاستجابة الواعية والتعود. والتمييز بين مظهري البيئة الشاملة أمر أساسي، لكن الانتباه إلى أن تفاعل أحدهما بالآخر أمر في غاية الأهمية لأن الإنسان يعمل باستمرار على تغيير كلٍّ من البيئتين الخارجية والداخلية لمجرد رغبته في إشباع حاجاته التي لا تنقطع.

هذا وقد عمل الإنسان على مر العصور الحضارية على إجراء تعديلات شتى على نطاق واسع في مظهري البيئة مما جعل طبيعة الإنسان غريبة في عالم الحضارة الذي صنعته لنفسها، وأصبح الإنسان ذاته في حيرة من أمره، أيتكيف تكيفاً بيولوجياً أصيلاً مع الحقول والغابات، أم مع الحياة التي فرضتها المدينة؟ إن كثيراً من أسباب سوء التوافق قد وُجِدَت من ظروف الحياة العصرية في البيئة الجديدة المعقدة التي صنعها الإنسان بيديه، ومع ذلك لا نلمس عند الإنسان حالياً رغبة ملحة في الرجوع ثانية لأسلوب الحياة في الكهوف وشظف العيش، إلا عند فئة من شواذ البشر «كالهيبيين» وغيرهم في بعض الأمم التي تناهت في سلم المدنية ووصلت أوجها، وأخذت هذه الفئة من البشرية تشذ متبعة القول الفلسفي: أول المدنية آخر الهمجية، وآخر الهمجية أول المدنية.

إن الإنسان على العكس يفتقر حالياً في كثير من بيئات المدن العصرية للحصول على نصيب أوفى من الحاجات العامة لصحة بدنه كالهواء النقي، وضوء الشمس، وحرية الحركة، إذ أنه أضحى بالنسبة لأحوال مسكنه وعمله يتصف بنشاط جسمي وعقلي مقيدين، مما أدى إلى نتائج خطيرة تتجلى في المجتمعات العصرية بالإرهاق العصبي والجنون، أما بالنسبة للذين نشؤوا في القرية وانتقلوا للمدينة فإنهم قد هجروا بيئة ألفوها إلى بيئة جديدة بدافع الإحساس بالحرمان لكن ذلك يكون دوما مصحوباً بالحنين إلى الموطن الأصلي، إلى البيئة الأساسية، ويؤدي ذلك إلى اضطراب في الشخصية ينتج عن التغيير المفاجىء في الأحوال ويعتبر هذا التناقض الشديد بين رغبات الإنسان الواعية في العمل على تعديل بيئته، وبين استعداداته العضوية أو الغريزية مشكلة صعبة الحل تتطلب دراسة وافية للعلاقة بين الوراثة والبيئة.








(حلقات عن البيئه سوف اقدمها اسبوعيا)
(من مصدرها )
آمل ان يكون فيها فائده وان تحوز على رضاكم ورضى زائري الموقع

التوقيع:
 


المتواجدين الآن بالموضوع : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

 


الساعة الآن 01:54 AM


Powered by vBulletin .
جميع الحقوق محفوظة © لشبكة ومنتديات البراري 2010