[أحمد الحربي]

ها قد آن الأوان لطرق باب العهد مع رب العباد, والإنابة إليه في الليل والنهار وفي كل دقيقة وثانية وحتى عُشر الجزء من الثانية.
أحداث جسام, تسارع عجيب للأزمان, إبداع في فن التقاط مشاهد الدمار وتقطر الدماء وتقطع الأشلاء، وفن في صياغة الأكذوبات وبناء أبراج الخزعبلات والأوهام.
أحوال مخيفات, وفتن دفينة تنادي على أصحاب العقول النيرة وذوي الفكر الراقي وتقول:
يا مَن يُخمد نيران الفتن, يا مَن يُرسل برقية بالبريد العاجل إلى كل بلد مسلم ويخطّ فيها بالنبراس العريض "لا للفتن يا مسلمون".
عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ فَقُلْتُ لَهُ: كَيْفَ تَصْنَعُ بِهَذِهِ الْآيَةِ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟ قُلْتُ: قَوْلُهُ تَعَالَى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ"، قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: "بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ، حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا (مادية مقيتة) وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ، فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ الْعَوَامَّ، فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ؟ قَالَ: بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ".
(أخرجه الإمام الترمذي وأبو داوود)
فلتستيقظ الأجيال وتصحو على عهد الالتزام مع الله وتباشر بإصلاح الذات قبل إصلاح العوام.
قال تعالى: "وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً" الإسراء: 34.
فلتسيتقظ الأجيال وتعتبر من مشاهد الدمار وضياع الأمان في البلاد ولتسأل أهل الفتن ماذا جنى أصحابها غير تشريد أطفالهم ولعنة الله والملائكة إلى يوم الدين؟
فلتسيتقظ الأجيال كلها على الفجر وترفع أكفها لله أن يحميها من الفتن.
فليستيقظ كل ذي عقل رشيد ويعلن أنّ غمد السيف في وجه المسلم فرض، وأنّ فتح الغمد في وجه أخيه المسلم حرام، فنبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم قالها منذ أكثر من ألف وأربعمئة عام: "كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه"، وقوله تعالى: "وَالفِتْنَةُ أشَدّ مِنَ القَتْل".
فلتسيتقظ الأجيال كلها وتأخذ من الزلازل العديدة في تركيا وأندونيسيا والصين وغيرها عبرة تسطر بأغلى النفائس كيف يكون غضب الله إذا حلّ بأرض.
فلتستيقظ الأجيال كلها ولتعلم أنّ هذا هو عهد النأي عن الفتن بعيد وهذا هو عهد الالتزام مع الله، فالدنيا قصيرة والزاد قليل والوقفة المخجلة أمام الله آتية لا محال.
فماذا أعددنا لذاك اليوم الطويل؟
كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله! إنّا كنّا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير؛ فهل بعد هذا الخير شر؟ قال: "نعم". فقلت: هل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: "نعم، وفيه دخن". قلت: وما دخنه؟ قال: "قوم يستنّون بغير سنّتي، ويهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر". فقلت: هل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: "نعم؛ دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها؛ قذفوه فيها"، فقلت: يا رسول الله! صفهم لنا. قال: "نعم؛ قوم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتا". قلت: يا رسول الله! فما ترى إن أدركني ذلك؟ قال: "تلزم جماعة المسلمين وإمامهم". فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: "فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك". صحيح مسلم.
فلتستيقظ الأجيال كلها ولتتربّع في عرش الالتزام، ولتبدأ بعملية سريعة لإصلاح الذات قبل فوات الأوان،
ولتتذكر الحديث النبوي الشريف وتخطّه منهاجا في الحياة.

نسأل الله أن يجعلنا من الذين ينصرونه و رسله بالغيب اللهم آمييين

جزا الله كل قلم كل همه رضاء الله كل خير يارب

م/ن